بسم الله الرحمن الرحيم
التحذير من كذبة نيسان أول ( إبريل )
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه الصادق الأمين إمام المتقين وبعد:
فإن الكذب داء عظيم إذ يعد من قبائح الذنوب وفواحش العيوب وقد جُعل من
آيات النفاق وعلاماته، ويُعد صاحبه مجانبًا للإيمان، ولقد كان الرسول صلى
الله عليه وسلم أبغض الخلق إليه الكذب، فالكذب والإيمان لا يتفقان إلا
وأحدهما بحساب الآخر والكذب ريبة ومفسدة على صاحبه.
وإنّ التشبه
بالكفرة منهي عنه في ديننا بل أمرنا بمخالفتهم، ولأنّ المشابهة ولو ظاهرًا
لها علاقة بالباطن كما ترشد إلى ذلك الأدلة القرآنية والنبوية وحسبنا قوله
صلى الله عليه وسلم: "ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا
فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب" .
ومن أعظم الخطر في المشابهة مع الكافرين أن يكون الأمر عندهم متعلقًا بأمر اعتقادي.
ومن صور التقليد الأعمى ما يعرف بكذبة ( ابريل ) نيسان ، وكم رأينا وسمعنا
لهذه الكذبة من عواقب سيئة وحقد وضغائن وتقاطع وتدابر بين الناس ،وكم جرت
هذه الكذبة على الناس من ويلات بين الأخوة وبين أهل البيت ،وكم عطلت على
الناس من مصالح نتيجة ذلك، وكم أوقعتهم في خسائر مادية ومعنوية وغير ذلك،
بسبب هذا التقليد المتبع من عهد قديم في معظم الدول الأوروبية.
وأما
شهر إبريل نيسان فهو الشهر الرابع من السنة الإفرنجية ،وإبريل اسم مشتق من
الأصل اللاتيني "ابريليس" Aprilis في التقويم الروماني القديم ، وقد يكون
مشتقًا من الفعل اللاتيني "فتح" Arerire دلالة على ابتداء موسم الربيع،
وظهور البراعم وتفتح الأزهار.
وكان شهر ابريل هو مبدأ السنة بدل شهر يُناير (كانون الثاني) في فرنسا.
وفي عام 1654م أمر شارل التاسع ملك فرنسا بجعل أول السنة يناير بدل ابريل.
وهناك تعليلات أخرى يعود بعضها إلى الإغريق ،لأن شهر إبريل يمثل مطلع
الربيع، فكان الرومان قد خصصوا اليوم الأول من شهر ابريل لاحتفالات "فينوس"
وهي رمز الحب والجمال والمرح والضحك والسعادة عندهم.
وقد كانت الأرامل
والعذارى يجتمعن في روما وفي معبد فينوس، ويكشفن لها عن عاهاتهن الجسمية
والنفسية، ويبتهلن إليها لتخفيها عن أنظار أزواجهن.
وأما الأقوام
الساكسونية فكانت تحتفل في هذا الشهر بعيد آلهتهم "ايستر" وهي إحدى آلهتهم
القديمة وهو الاسم الذي يطلق عليه الآن عيد الفصح عند النصارى في اللغة
الإنجليزية.
وبعد ما تقدم يظهر لنا ما لشهر ابريل من أهمية خاصة عند الأقوام الأوروبية في العصور القديمة.
ولم يعرف أصل هذه الكذبة على وجه التحديد وهناك أراء بذلك ، فذكر بعضهم
أنها نشأت مع احتفالات الربيع, عند تعادل الليل والنهار في 21 آذار (مارس).
ويرى بعضهم أن هذه البدعة بدأت في فرنسا عام 1564م بعد فرض التقويم الجديد
كما سبق، إذ كان الشخص الذي يرفض بهذا التقويم الجديد يصبح في اليوم الأول
من شهر ابريل ضحية لبعض الناس الذين كانوا يعرضونه لمواقف محرجة، ويسخرون
منه فيصبح محل سخرية للآخرين.
ويرى بعضهم أن هذه البدعة تمتد إلى عصور قديمة واحتفالات وثنية، لارتباطه بتاريخ معين في بداية فصل الربيع، إذ هي بقايا طقوس وثنية.
ويقال أن الصيد في بعض البلاد يكون قليلاً في أول أيام الصيد في الغالب، فكان هذا قاعدة لهذه الأكاذيب التي تختلق في أول شهر ابريل.
يطلق الإنجليز على اليوم الأول من شهر ابريل اسم "يوم جميع المغفلين
والحمقى " All Fools Day لما يفعلونه من أكاذيب حيث قد يصدقهم من يسمع
فيصبح ضحية لذلك فيسخرون منه.
وأول كذبة ابريل ورد ذكرها في اللغة
الإنجليزية في مجلة كانت تعرف بـ "مجلة دريك" DRAKES NEWSLETTERS ففي اليوم
الثاني من ابريل عام 1698م ذكرت هذه المجلة أن عددًا من الناس استلموا
دعوة لمشاهدة عملية غسل الأسود في برج لندن في صباح اليوم الأول من شهر
ابريل.
ومن أشهر ما حدث في أوروبا في أول ابريل أن جريدة "ايفننج ستار"
الإنجليزية أعلنت في 31 مارس ( آذار) سنة 1846م أن غدًا -أول ابريل- سيقام
معرض حمير عام في غرفة الزراعة لمدينة اسلنجتون من البلاد الإنجليزية فهرع
الناس لمشاهدة تلك الحيوانات واحتشدوا احتشادًا عظيمًا، وظلوا ينتظرون،
فلما أعياهم الانتظار سألوا عن وقت عرض الحمير فلم يجدوا شيئا فعلموا أنهم
أنما جاؤوا يستعرضون أنفسهم فكأنهم هم الحمير!!!
وإن تعجب فعجب ما
يزعمه بعض الناس في هذه الكذبة عندما يحبكونها، حيث يقولون هذه "كذبة
ابريل" ،وكأنهم يستحلون هذا الكذب والعياذ بالله من ذلك، ونحن نعلم أن
الكذب لا يجوز ولو على سبيل المداعبة ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :
"ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب، ويل له، ويل له".
وقد
ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه يمزح ولكنه لا يقول في مزاحه إلا حقًا وهذا
المزاح الذي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه تطييب لنفس الصحابة،
وتوثيق للمحبة، وزيادة في الألفة، وتجديد للنشاط والمثابرة، ويرشد إلى ذلك
قوله صلى الله عليه وسلم : "والذي نفسي بيده لو تداومون على ما تكونون
عندي من الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة
وساعة" ، ثلاث مرات.
ويجدر الإشارة إلى أن كثرة المزاح مخلة بالمروءة
والوقار كما أن التنزه عنه بالمرة وتركه مخل بالسنة والسيرة النبوية، وخير
الأمور أوسطها ومن مفاسد كثرته أنه يشتغل عن ذكر الله، ويؤدي إلى قسوة
القلب، ويؤدي إلى الحقد وسقوط المهابة، ويورث كثرة الضحك المؤدي إلى قسوة
القلب، وبالجملة فالمزاح ينبغي أن لا يتخذ حرفة ودندنًا.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
" منقول من صفحة الأستاذ الدكتور عاصم القريوتي-حفظه الله-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق